حماية القارئ من قوة الكاتب

محروم.كوم · #1 05-12-2012, 09:10 PM

عندما يكتب الكاتب موضوعا معينا، فإنه يحب أن "يقرءه الجميع"، ولاستحالة قراءة الجميع لموضوعه فإنه يحاول أن يجعل أكبر عدد من الناس يقرؤونه، ويكون هذا بتقوية طريقة طرحه، وتقوية نشره عبر وسائل الإعلام، وعن طريق القرّاء أنفسهم.

كثرة الكتابات وكثرة الكتّاب أمر جيد في نفسه، ولكن هذا يعطينا واقعا مؤلما، وهو وجود ضحية لهذه الكتابات وهو القارئ نفسه، فإنه يقرؤ لأكثر من شخص بغية تطوير نفسه للأفضل، وإذا به ينحدر للأسوأ بسبب الخطأ في تقديره للقرّاء الجيدين فكريا وكتابيا، وهذا أساس موضوعنا، فإن الكاتب يجب أن يشكر القارئ بقؤاءته لمواضيعه بأن يفيده فعلا بدل إعطائه معلومات وأفكار غير صحيحة.

الكاتب هو من المؤثرين الأوائل على عقول القرّاء بتبنيهم لأفكاره الصحيحة وغير الصحيحة، ولكن الواقع أيضا أن الكاتب لا قيمة له دون القرّاء، فإن القرّاء إن لم يقرؤوا لكتّاب ويتأثروا بهم، فإنه لا قيمة لكتاباتهم ولو كانوا جيدين فكريا وكتابيا، وبالمقابل لو تأثر ونشر القرّاء من كتّاب منحرفين فكريا لاشتهر هذا الكاتب، وهذا يجعلنا نهتم ببيان بعض الأمور المهمة للقارئ ليحمي نفسه من أن يكون ضحية لانحراف فكري من هنا وهناك، وليقرأ من يفيده فكريا.

ليتبين ما نريد قوله يجب علينا أولا أن نعرف أنواع الكتّاب والقرّاء لنعرف لاحقا كيفية تطبيق حمايتنا لأنفسنا فكريا كقرّاء:

1) أنواع الكتّاب:

1- كتّاب مستواهم جيد في الكتابة، وأفكارهم صحيحة، وهم المطلوب القراءة لهم.

2- كتّاب مستواهم جيد في الكتابة، ولكن أفكارهم غير صحيحة ( عادة تكون أفكارهم ضالة مضلة، و منحرفة عن الحق، ولكنهم يوصلونها بطريقة توهم القارئ أنها حق ).

3- كتّاب مستواهم سيء في الكتابة، وأفكارهم غير صحيحة.

4- كتّاب مستواهم سيء في الكتابة، ولكن أفكارهم صحيحة ( وهذا مما يبتلي به الكثير من إخواننا المحقين في أفكارهم، الغير متمكنين لإيصال ما في ذهنهم للقرّاء بشكل صحيح )

2) أنواع القرّاء:

1- قارئ مثقف، ولكنه يتأثر بسبب كتابات الكتّاب "الجيدين كتابيا"، سواءا كانت أفكارهم صحيحة أم لا، وهذا ينتج عادة لأنه "يتوهم" بأن عقله وتفكيره لا يأخذ إلا بالفكر الصحيح فقط، ويمكن أن نسميه "العصمة الوهمية".

2- قارئ مثقف، ولكنه لا يتأثر بسبب كتابات الكتّاب الجيدين كتابيا، فهو يستطيع فعلا التمييز بين الفكر الصحيح أو الفكر الخاطئ، أما كونه اختار لاحقا الفكر الصحيح أو الخاطىء فهو أمر آخر.

ملاحظة: القارئ المثقف يستطيع التمييز بين الكاتب الجيد والسيء من أسلوب كتابته، ولكنه لا يستطيع دائما التمييز بين الفكر الصحيح والخاطئ لتوهمه بصحة فكره أحيانا، أو لأن شخص الكاتب مقدس عنده، فيفضل تبني فكر الكاتب الخاطئ على اتباع فكره الصحيح.

3- قارئ غير مثقف، ولكنه لا يتأثر بسبب الكتابات مطلقا، وهذا ناتج عادة من تمسكه الشديد بما يعتقد، سواءا أكان ما يعتقده حقا أم لا.

4- قارئ غير مثقف، ولكنه يتأثر بسبب الكتابات ولو نسبيا، وسببه عدم قدرته على التمييز بين الكاتب الجيد والسيء، وبين الفكر الصحيح والخاطئ.

أسباب تأثرنا بالكتّاب:

راعت الشريعة الإسلامية كثيرا مسألة "تأثر الإنسان بالآخرين"، ولذا فقد بين رسول الله صلى الله عليه وآله بأن الإنسان عليه أن يبتعد مثلا عن "أصدقاء السوء" و "دور المعصية"، كما أكد العلماء على عدم قراءة كتب الضلال والانحراف في حال يتأثر الإنسان منها سلبيا.

وإذا أخذناها بشكل أوسع من الإسلام، فإن البشرية متفقة على أن الإنسان يجب ألا يتأثر بالأفكار الخاطئة، ويتأثر بالصحيحة فقط.

سؤال: إذا لماذا يختلف واقعنا العملي عن هذه النظرية؟! لماذا نتأثر بكتابات الغير وإن كانت خاطئة؟

الجواب:

إخواني وأخواتي القرّاء، أحب بيان بأنه في حال قراءة "أسباب التأثر" يجب علينا ألا نفكر بأن هذا الكلام صحيح وينطبق على هذا وذاك... فكروا فقط بأنفسكم، وبأنه هل هذه الأمور موجودة فيكم أم لا، وإلا لن تكون الأجوبة مفيدة جدا إن نظرنا بأن هذه الأسباب هي عند الغير لا عندنا:

1- قول "أنا لست منهم": وهي من العبارات الشائعة، وهي تعني أنني لست كغيري من الناس ممن يتأثرون بالغير، فأنا لم أتأثر سابقا، ولم أتأثر حاليا، ولن أتأثر مستقبلا، وهي واقعا عبارة غريبة جدا، فهي عبارة تحوي إشكالين قويين:

الإشكال الأول: أن قول الله ورسوله - والذي هما حجة علينا، وهما الأعرف منا بأنفسنا -، وما بينته التجربة العملية أن أكثر الناس تتأثر على حسب بيئتها وقراءتها، فإن ذهبنا للبيئة لوجدنا أكثر أبناء المسلمين مسلمون، وأكثر أبناء المسيحية مسيحيون، وأكثر أبناء اليهودية يهود، وهكذا، فإنه يندر في كل منها أن يصبح ابن المسلم مسيحيا أو يهوديا أو العكس، وكذلك الأمر في القراءة، فإن من كانت أكثر قراءاته لكتّاب منحرفين فكريا يكون منحرف الفكر، ومن كانت أكثر قراءاته لكتّاب صحيحي الفكر يكون صحيح الفكر، وهنا يأتي إشكالنا:

أيها القارئ الكريم، إن كان الله ورسوله والتجربة العملية تقول بقاعدة التأثر من الغير، إذا كيف خرجت من القاعدة؟، فالعالم كله يقول بأنه مستثنى من القاعدة، إذا ما الفرق بينك وبينهم، فالكل يقول أنه مستثنى؟!، إذا لا معنى لكلام الله ورسوله لبيان قاعدة تأثرنا من الغير، فالظاهر أن الصحيح عندك وعند الناس أيها القارئ بأنك ترى أن القاعدة الأصلية هي عدم التأثر بالغير، والمستثنى هو القلة التي تتأثر!!!، وهو خلاف كلام الله ورسوله والتجربة العملية.

فسؤالنا الأول هو: "آيات وأحاديث التأثر من الغير المأخوذة ممن يجب علينا اتباعهم ما الغرض منها، ولمن هي إن كنا كلنا مستثنين منها؟!!!"

ملاحظة: الجواب على الإشكال الأول يكون بأن ترجع لنفسك وتناقش أفكارك بكل صراحة، وبعدها تناقش الغير لإثبات صحة ما تقول، أما مناقشة الغير مباشرة دون نقاش نفسك فلن يوصلك للجواب على إشكالنا.

الإشكال الثاني: نحن عندما نقول بأننا مستثنون من القاعدة فإننا نأتي ببعض الشواهد على صحة كلامنا، ومنها أن "مؤمن آل فرعون" لم يتأثر، وأن "آسية امرأة فرعون" لم تتأثر، وهكذا، وعليه نقول:

صحيحة هي إشكالاتك ابتداء أيها القارئ الكريم، ولكن الأمر مع ما نقوله، ففي الأمثلة نحن متيقنون بصحة خط مؤمن آل فرعون وامرأة فرعون، فلو ناقشنا من خطه خط فرعون لغلبناه بمنطق خط مؤمن آل فرعون وامرأة فرعون، أما كلامنا هنا أن فكرك أنت يحتمل الصحة والخطأ، فلسنا مسلِّمين ابتداء أن فكرك صحيح حتى يصح إشكالك، ولن يثبت إلا بالمناقشة، ودونها لا إثبات أنك مستثى من القاعدة، فقولك أنك لست منهم هو كلام بلا دليل، فنحن لا نستطيع القول بأن فكرك صحيح "لأنك قلت ذلك"!!!.

فسؤالنا الثاني هو: "لا يمكن عقلا أن يكون دليل أنك مستثنى من قاعدة التأثر بالغير أنك أنت قلته عن نفسك بأنك مستثنى!!!، إذا لماذا تقوله أصلا إن لم تكن حجة ودليلا علينا؟!!!"

أعزائي يجب أن نزيل أولا "وهم" أننا لا نخطئ، وأننا لسنا ممن يتأثر بالغير حتى نخطو خطوات مستقبلية صحيحة، وإلا فستكون لدينا مشكلة في تطورنا فكريا، فإذا حصل ذلك وحصلت الحصانة الحقيقية فلك أن تقرأ ما شئت.

2- تحديد شخص المنحرف والمستقيم فكريا: وهي مشكلة مهمة أيضا، ومثاله أننا نُجمِع كقاعدة بأننا إن قرأنا لعلماء الدين والكتاب المثقفين فإن فكرنا سيكون مستقيما، ولكننا في التطبيق نقرأ لكل من يلبس العمامة دون استثناء لأننا نسميهم كلهم علماء!!!، ونقرأ لكل مثقف دون استثناء لأنه يسمى مثقفا!!!، والواقع أن هناك من المنحرفين فكريا من يلبس العمائم، ومن هم من المثقفين المعروفين.

يجب أن نحدد في بعض الأحيان أن فلانا منحرف الفكر والعقيدة وما شابه ذلك، حتى لا يختلط على الناس الأمر ويتأثروا بفكره الضال والمنحرف، فلا مجاملات في الحق لإرضاء الغير، أما الكلام العام دون الإشارة للشخص فلا ينفع في كثير من الأحيان.

وبالمقابل فإننا يجب أن نُعيِّن العلماء المعروفين لنتبعهم، وهم يُعرَفون عادة من المتخصصين في التشخيص لهذه الكتابات كالعلماء في الحوزات العلمية المعروفة، أما المثقفين فيجب أن نقرأ لهم مع وجود مقدمات مهمة لدينا من أساسيات الفقه والعقيدة والأخلاق حتى لا ننجر وراء الأفكار المنحرفة، كما يجب التنويه على أن تشخيص العلماء لا يعني عدم مناقشتهم، فهو أمر مطلوب طبعا، ولكننا نقول بأن توجيههم لنا كمتخصصين مهم لتوجيهنا ابتداء.

3- تحديد فكر المنحرف تفصيلا: وهذا يكون بتحديد ما هو منحرف فيه فكريا بالدقة، ولا يكفي بقولنا أنه منحرف في بعض الأمور دون التحديد.

وللعلم فإنه بسبب أن الكثيرين يقولون في أنفسهم: سنقرؤ ونرى ما يقول فلان دون الالتفات والتدقيق لانحرافاته، فإنهم ينحرفون ويوافقون على فكره تدريجيا، وهذا ما لمسناه عند الكثيرين للأسف الشديد.

4- نشر القارئ للكتّاب: وهو ما سيترتب على ما قلناه في النقاط السابقة، فقبل نشر أي شيء يجب الالتفات لألا نكون سببا في انحراف فكر الغير، بل يجب أن نكون سببا في ارتقاء فكرهم، واعلم أيها القارئ أنك أنت من تقوي الكاتب إن نشرت له، وإلا فإنه مهما كانت قوة الكاتب، فإنه لن يكون مؤثرا إن لم يقرأ له أحد.

عزيزي القارئ، لتكون قارئا جيدا يجب أن تفكر جيدا، وتتأمل وتحلل كثيرا، والفكر والفطرة والدين الصحيح مقدمات مهمة للوصول إلى الطريق والفكر الصحيح.

عزيزي القارئ، كي تكون قارئا مثقفا يجب أن تقرأ كتب العلماء والمثقفين الذي ينصح بها المستقيمو الفكر، والعارفون لدقائق كلام الكتّاب وأفكارهم، وهو توجيه مهم يجب الالتفات له لتتطور في الفكر بتدرج صحيح، وإذا استمريت على هذه القراءات فإن ثقافتك ستزداد وتنمو لتميز الكتابات الجيدة وغير الجيدة، والفكر الصحيح والسقيم فيها بشكل أكبر.

نكتفي بهذا المقدار أعزائي، ونوعز تفاصيل أخرى لنبحثها معا في "فن الكتابة في وسائل الواتصل الاجتماعي"، ونسأل الله العلي القدير أن يرزقنا الحق واتباعه، وأن يبعدنا عن الباطل وأتباعه، إنه سميع مجيب الدعاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل. __DEFINE_LIKE_SHARE__

المواضيع المتشابهه
الموضوع	كاتب الموضوع	المنتدى	مشاركات	آخر مشاركة
[ عرض دعم فني ] : حماية المواقع ( حماية 5 نجوم ) جديد ليزر لخدمات الويب	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	11-27-2011 11:10 PM
[ عرض دعم فني ] : تحقق حلم الجميع ! الان حماية موقع حماية كاملة شاملة !! فقط من الفرسان =)	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	08-09-2011 06:00 AM
من القارئ هنا؟	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	07-12-2010 09:00 AM
سورتي النجم والقمر لفضيلة القارئ الشيخ جمال محمد سليمان القارئ بالاذاعة والتلفزيون	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	06-05-2009 06:12 AM
[ جوال ] : نغمة اسلامية لجوالك بصوت القارئ الكبير الشيخ جمال سليمان القارئ بالاذاعة والتلفزيون	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	05-26-2009 04:50 AM