الدفاع المقدس.. قراءة سيميائية
انتصار البناء
صحيفة الوطن - العدد 2234 الجمعة 20 يناير 2012
السيميائية؛ هي علم يُعنى بدراسة العلامات والرموز والبحث في إحالاتها ومن ثم دلالاتها، فعلامات المرور هي رموز تستخدم لتنظيم السير في الشوارع، منها ما يدل على الوقوف أو تنظيم السرعة أو منع الدخول.. الخ، والملابس وأدوات الطعام وطقوس الزواج كلها تكتنفها رموز تدل على ثقافة اجتماعية وأحياناً دينية معينة، ويمكن قراءة ما أصبح يدشن في قرى البحرين، تباعاً، تحت شعار (الدفاع المقدس) وما تم عرضه من أفلام لمسيرات عسكرية وما صاحبها من خطابات وحملات إعلامية بهذه المنهجية لمحاولة فهم الرسالة التي يبغي منظمو هذه الحركة توجيهها لنا. أهم الرموز في أفلام الدفاع المسلح هي الاستعراضات العسكرية لشباب يحملون الأعلام ويرتدون الأكفان، التنظيم العسكري يحيلنا إلى جيوش حزب الله، لكن لبس الأكفان في الاستعراض العسكري يحيلنا إلى جيش المهدي تحديداً الذي استأثر بهذه الرمزية وحده في السنوات الأخيرة، مما يعطي المشهد بصمات لتلقي منظمي هذه الفعاليات تدريباً على أيدي جيش المهدي، وربما تشربهم من فلسفة الجيش نفسه وآيديولوجيته، وهي فلسفة وآيديولوجيا لا مجال للتفصيل فيها الآن، لكن هذا دليل للعالم الخارجي، وليس لنا نحن، أن مزاعم فيالق 14 فبراير، وعلى رأسها الوفاق، بأن حركتهم وطنية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بدول أخرى أو أحزاب خارجية، وأن تحركاتهم السياسية والاحتجاجية لا تنطلق من مرتكزات مذهبية طائفية هي ادعاءات تكذبها بصمات جيش المهدي وحزب الله في هذه الأفلام التي هي من إنتاج فيالق 14 فبراير أنفسهم وليست مفبركة عليهم أو مدسوسة ضدهم. الدلالة الثانية التي نستنتجها من رموز هذه الأفلام أن مستوى تدريب جيوش (الدفاع المقدس) أقل كفاءة من تلك التي تلقاها شباب 14 فبراير الذين بدوا أكثر لياقة واحترافية في عمليات سد الشوارع وحرق الإطارات، مما يدل على تلقي جيوش (الدفاع المقدس) تدريبات محلية على أيدي أولئك الذين تلقوا تدريبات عسكرية نوعية في أحراش سوريا ومعسكرات لبنان والعراق، وهذا مؤشر على تحول قرى البحرين لمعسكرات تُخَرّج صفوفاً ثانية من جماعات مخربة سيناط بها عمليات تحشيدية وتظاهرية منظمة بالدرجة الأولى. أما إلقاء الخُطب المصاحبة للاستعراضات العسكرية وتسجيلات الشباب الملثمين الذين يُعدون أنفسهم للشهادة فهي رمزية مقتبسة من الأسلوب الإعلامي للفصائل الفلسطينية المقاومة، غير أن هذه الفصائل تعرض تسجيلات الشهداء بوجوههم الظاهرة وتعلن عن أسمائهم وهوياتهم الحقيقية بعد استشهادهم وليس قبلاً، وربما يكون في تغطية وجوه استشهاديي (الدفاع المقدس) دليل على عدم الجدية في إعدادهم لعمليات استشهادية. نحن إذاً أمام مشاهد مصطنعة مقتبسة رموزها من ثلاثة جيوش إسلامية بآيديولوجيات مختلفة جميعها أسست لمقاومة قوات الاحتلال، وهذه هي الرسالة تحديداً التي تعمل خطابات (الدفاع المقدس) واستشهادييه على بثها للمتلقي، فجميع الخطب والكلمات التي صدرت في تدشين مسيرات جيوش (الدفاع المقدس) أو كلمات الاستشهاديين تنطلق من مبدأ (الدفاع) عن القرى والأعراض، وتتحدث عن مواجهة (غزاة) و(محتلين) محليين وخارجيين، وهذا ما يفك شفرة اختيار تسمية (الدفاع المقدس) بدل تسمية (الهجوم المقدس)، إن هذه العمليات ستنطلق من نظرية أن البحرين محتلة، وأن ما يحدث هو عمليات هجوم واعتداءات على القرى ومواجهة المسيرات السلمية بالقوة المفرطة، وأن الدفاع عن النفس والعرض قد أصبح واجباً شرعياً. هذا الخطاب يتسق تماماً مع بيانات جمعيتي الوفاق ووعد وباقي عناصر المعارضة في تعقيبهم على أعمال العنف والاشتباكات الأمنية التي تليها، فجميعها تتحدث عن مداهمة القرى وإغراقها بمسيلات الدموع، ولا تتحدث عن مسيرات غير مرخصة أو استخدام للمولوتوف والأسياخ وسد الشوارع وحرق الإطارات، وهذا الخطاب يتفق مع السيناريو الذي تروجه فيالق 14 فبراير حول الأزمة في البحرين حيث تدور أطروحاتهم بأن الوضع تفجر في البحرين في منتصف مارس مع دخول قوات درع الجزيرة للبحرين (قوات الاحتلال السعودي حسب وصفهم) ولم يتفجر باحتلال دوار مجلس التعاون وسد الطرقات وتعطيل الخدمات التعليمية والطبية عن كافة شعب البحرين!! إن هذا السيناريو المتكامل المتنامي دليل على التنسيق التام بين فيالق 14 فبراير بأجنحتها السياسية والعسكرية والإعلامية والحقوقية والنقابية، وعلى توزيع دقيق للأدوار فيما بينها، فلا عجب إن اتفق خطابهم وتوحدت مواقفهم تجاه عملية تصعيد الاحتجاجات في قرى البحرين وتبرير عمليات الإرهاب المستمرة وصولاً لتنظيم مسيرات داخل العاصمة المنامة من أجل إفساد احتفالية المنامة عاصمة الثقافة العربية، ولا مجال للمراهنة على جمعيات قوى التأزيم (الوفاق ووعد وارتداداتها) في ضبط انفلات الشارع لأنها تمهد له الطريق السياسي وتشرعنه. أسئلة كثيرة تطرحها استعراضات (الدفاع المقدس) أهمها؛ لمن توجه هذه التسجيلات والأفلام؟ هل هي لإرهاب المواطنين المخالفين لهذا النهج؟ أم المواطنين المؤيدين له؟ أم للخارج؟ في تصوري أنها لا تستهدف المواطنين المخالفين لأنهم أثبتوا “صموووووداً” حقيقياً في مواجهة أعمال الشغب والصبر عليها، ولا تستهدف الإعلام الخارجي لأنها تخالف عن المزاج العام العربي والعالمي الذي يرفض إسباغ القداسة الدينية على أي تحرك سياسي أو عسكري إلا إذا كانت هذه التسجيلات رسالة لأمريكا والغرب مفادها أن لإيران نفوذاً في البحرين يضاهي نفوذها في العراق ولبنان وسيكون له دور فاعل متكامل في نشر الفوضى في حال أي تحرك غربي تجاه إيران أو سوريا. لكن المستهدف الرئيس هم الشباب المتحمس الموالي لهذه الأفكار الراديكالية الذين شُحنوا بما يكفي طوال ثلاثة العقود السابقة وأُعدوا إعداداً يتيح لهم المشاركة في هذه المسيرات، خصوصاً وأن مشروع 14 فبراير يتطلب دماءً لم يسفك منها ما يكفي للزعم أن ثمة شعب مظلوم يثور في البحرين كأقرانه في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، لقد أسفرت قائمة شهداء فبراير بعد رفع السلامة الوطنية عن بضعة أشخاص قتلوا لأسباب طبيعية أو غامضة أو في مواجهات أمنية لتجمعات غير مرخصة، ولا تستطيع فيالق 14 فبراير أن تزعم أن أحداً منهم قتل بالشوزن أو الرصاص الحي أو حتى الرصاص المطاطي أو مات بالضرب بالهراوات؛ لذلك نتوقع أن تصعد فيالق 14 فبراير أعمال العنف كما تعهدت وأن تقود هؤلاء الشباب إلى تجمهرات غير مرخصة يشتبكون فيها مع رجال الأمن في مناطق حساسة مثل العاصمة، كما بدأ يحدث بالفعل، للظفر بشهداء يتيحون لقوى التأزيم المطالبة بتدخل دولي يكفل حق تقرير المصير ويكفل تحقيق أجندة 14 فبراير في فرض مشروعها الأحادي الإقصائي. إن هذه التكهنات تستدعي من الأجهزة الإعلامية وخصوصاً الإعلام الأمني أن يكون أكثر استعداداً وتوثيقاً لعمليات الشغب، التي يرجح أن تعمل قوى التأزيم على إخراجها للرأي العام بأنها عمليات دفاعية مدنية مشروعة أمام هجوم عسكري مفرط في القوة، خصوصاً وأن مثيري الشغب قد تلقوا توجيهات بعدم تصوير رمي المولوتوف أو الاعتداء على الشرطة لأن ذلك يضر بالسيناريو السابق المرسوم ويفضح كذبه؛ لذلك افتقدنا في الأسبوعين الماضيين تسجيلات رمي المولوتوف والاعتداء على رجال الأمن. ^ صفارة إنذار.. التدخلات السافرة من المنظمات الدولية ومن الصحافيين والحقوقيين الغربيين يشتد نشاطها هذه الأيام، فشخصيات حقوقية تحاول دخول البحرين دون إذن مسبق، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان تطالب بفتح مقر دائم لها لمراقبة وضع حقوق الإنسان في البحرين، وأعضاء منظمة دخلوا البحرين بتأشيرات سياحية ويمارسون مهامهم دون سند قانوني، ويطالبون بفتح مستشفيات ميدانية في القرى لعلاج مصابي المواجهات الأمنية الذين لا يستطيعون الوصول للمستشفيات!!، وقد طلبوا التعاون مع المستشفى الأمريكي في هذا المجال، لكنه رفض لأنه أدرك أن العملية تهدف إلى تسيس مهنة الطب، هذه صفحة من صفحات السيناريو المزعوم، ودور هذه المنظمات وهؤلاء الشخصيات سيكون شهداء الزور وأبواق الكذب لترويج قصص المجازر والحرمان من الخدمات الطبية التي ستلفق ضد البحرين في حال صعدت فيالق 14 فبراير أعمالها التخريبية، والهدف طلب التدخل الدولي، فليت هذه المنظمات وهذه الشخصيات تتوجه أولاً إلى سوريا لترصد المجازر وتغيث الضحايا الحقيقيين قبل أن تفكر في البحرين
__DEFINE_LIKE_SHARE__
 | 
01-20-2012, 11:30 AM
العرض العادي
المواضيع المتشابهه 
