حفاظاً على الثورة | منطق التوكل ومنطق الهزيمة عند أتباع نبي الله موسى

محروم.كوم · #1 11-26-2011, 09:50 PM

منطق التوكل ومنطق الهزيمة عند أتباع نبي الله موسى

بقلم: أبو الفضل

قال تعالى:
يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ( 21 ) قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ( 22 ) قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ( 23 ) قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ( 24 )(المائدة)

خلاصة القصة:

"هذه الآيات تبيّن واقعة دخول بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة نقلا عن لسان نبيّهم موسى عليه السّلام‏...و قد اختلف المفسّرون حول المراد بعبارة (الأرض المقدسة) الواردة في الآية..فيرى البعض أنّها أرض «بيت المقدس» حيث القدس الشريف، و آخرون يرون أنّها «أرض الشام» و فئة ثالثة ترى أنّها «الأردن و فلسطين» و جماعة أخرى تقول أنّها أرض «الطور»...
و يستدل من جملة كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ... إنّ اللّه قد قرر أن يعيش بنو إسرائيل في الأرض المقدسة بالرغد و الرخاء و الرفاه (شريطة أن يحموا هذه الأرض من دنس الشرك و الوثنية) و أن لا ينحرفوا (عن تعاليم الأنبياء) وإن لم يلتزموا بهذا الأمر سيحيط بهم من قبل اللّه عذاب أليم شديد.
و على هذا الأساس لا يوجد أيّ تناقض بين فشل جيل من بني إسرائيل الذين خوطبوا بهذه الآية في دخول الأرض المقدسة، و ابتلائهم بالتيه و الضياع لمدة أربعين عاما في الصحارى و القفار، حتى نجح الجيل التالي من بعدهم بدخول تلك الأرض، لا يوجد أيّ تناقض بين ما ذكر و بين جملة كتب الله عليكم ... لأنّ هذا التقدير الإلهي و القرار الرباني إنّما قيد بشروط لم ينفذها ذلك الجيل الأوّل من بني إسرائيل‏.
و قد واجه بنو إسرائيل دعوة موسى عليه السّلام للدخول إلى الأرض المقدسة مواجهة الضعفاء الجبناء الجهلاء....
أمّا المراد من عبارة قَوْماً جَبَّارِينَ فهم كما تدل عليه التواريخ قوم «العمالقة» الذين كانوا يمتلكون أجساما ضخمة، و كانت لهم أطوال خارقة"
الأمثل- ج3- ص663 بتصرف

المنطقان:

بعد أن جاء أمر نبي الله موسى(ع) لقومه أن (ادخلوا الأرض المقدسة) ووعدهم بالنصر حيث (كتب الله لكم) ذلك، ولكن ذلك بشرط أن (لا ترتدوا على أدباركم) وإلا تثبتوا وتصبروا (تنقلبوا خاسرين)، بعد هذا الأمر تجلى المنطقان، منطق التوكل ومنطق الهزيمة:

أ-المنطق الأول (منطق التوكل والنظرة الموضوعية):
-(قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون)
هذان الرجلان من الذين أنعم الله عليهما بنعمه، وشملهما بعنايته، فهما من الذين يخافون الله سبحانه و "من خاف الله أخاف الله منه كل شيء" وهكذا لم يرهبهم ما يقال عن العمالقة من البأس والقوة، فلكل قوي نقطة ضعف ولكل ضعيف نقطة قوة، لذلك نراهم خططوا ودرسوا الواقع بكل حيثياته فوصلوا أن نقطة ضعف العدو –رغم قوته- هي الهجوم عليه في عقر داره وذلك موصل للغلبة لا محالة (فإذا دخلتموه فإنكم غالبون) ، وهكذا وجهوا قوم موسى(ع) لهذه الخطة العسكرية التي رفضها قوم موسى كما سيأتي.

-(وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)
يواصل هذان الرجلان المؤمنان منطقهما –للرد على منطق الفئة الثانية التي ستأتي- فبالاضافة للتخطيط العسكري والحسابات الموضوعية يدخلان الجانب المعنوي في معركة الصراع فيوجهان قومهما بالتوكل على الله سبحانه، فالتوكل على الله سبحانه عامل مهم جدا في الثبات وتقوية الأرادة في المعركة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالتوكل على الله عز وجل عامل مهم في استمطار مدد الله وعونه ونصره.

ونلاحظ أن الرجلين جزما بالنصر استنادا لوعد الله سبحانه ولكنهما يدركان أن هذا الوعد مشروط بالأخذ بأسباب القوة خارجا (ادخلوا عليهم الباب) وبالتوكل على الله سبحانه (وعلى الله فتوكلوا) بخلاف الفئة الثانية كما سيأتي.

ب- المنطق الثاني ( منطق الهزيمة ):

-(قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين)
رغم وعد الله تعالى لهم بالنصر على لسان نبي الله موسى(ع) في قوله (كتب الله لكم)، فإن هذه الفئة –انعكاسا لنفسيتها المهزومة- واجهت نبي الله بالقول (إن فيها قوما جبارين) مما يوحي بجبنهم وخوفهم من مواجهة قوم العمالقة، وعدم اكتراثهم بالتكليف الالهي (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة)، وعدم ركون نفسهم لوعد الله لهم بالنصر، والاستغراق في النظر لقوة العدو.

-(إنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون)
وهكذا يستمر هذا المنطق المعوج المهزوم في ترجمة نفسيته فيوقف حركته حتى تتغير الظروف بخروج العمالقة من الأرض المقدسة وبعد ذلك فهم مستعدون لدخول هذه الأرض.
فهذا المنطق يتحجج بالظروف الموضوعية بل وينتظر أن تتغير الظروف ليبدأ حركته، ولا يتحرك أصحاب هذا المنطق لتغيير الظروف هم بأنفسهم لأنهم يعلمون أن هذا التحرك فيه المواجهة وفيه التضحية مما يتعارض مع نفسيتهم.

-(قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)
رغم أن الرجلين المؤمنين قد ردا بنطقهما الغيبي الموضوعي –كما مر- على الاشكالين السابقين لقوم موسى(ع) إلا أن منطق القوم لا زال هو هو، فلم يقنعوا بخطة الرجلين العسكرية التي نظرت للواقع بموضوعية وشخصت مواطن ضعف العمالقة، ولم يلتفتوا كذلك لتوجيه الرجلان بالتوكل على الله سبحانه، فقد أعمت قوة العمالقة قوم موسى حتى لم يعودوا يفكرون في المواجهة ولم يعودوا يفكرون بنصر الله ومدده، وإذا كان من نصر فهم يطلبونه من موسى(ع) وربه وهم قاعدون يراقبون من بعيد فهم ليس لهم الاستعداد للتضحية في قبال العمالقة.
وهكذا نلاحظ أن هذه الفئة تنتظر نصر الله من دون الأخذ بأسباب القوة ومن دون أي حركة وتضحية!!!

__DEFINE_LIKE_SHARE__

المواضيع المتشابهه
الموضوع	كاتب الموضوع	المنتدى	مشاركات	آخر مشاركة
محاضرة فضل التوكل لفضيلة الشيخ عثمان بن عبد الله السالمي	منارة الإسلام	اناشيد وصوتيات ومحاظرات ومقاطع دينيه وصوتيات ويوتويب اسلامي,	1	05-31-2011 08:04 PM
التوكل على الله .. أعظم نعم الله	afnan mansour	الإستشارات النفسية والاحتياجات الخاصة وتطوير الذات	2	02-07-2011 03:58 AM
التوكل على الله	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	08-05-2010 07:00 PM
اعذرني يا رسول الله فلن أكتب حرفاً دفاعاً عنك	ღ همس الغلا ღ	الإسلام والشريعة	13	08-09-2008 05:21 PM
التوكل على الله سبحانه وتعالى_في كل أمورنا	أم عفراء	الإسلام والشريعة	10	05-03-2008 09:35 AM