المنامة عاصمة الثقافة العربية.. لماذا هذا التواطؤ مع النظام؟

محروم.كوم · #1 11-18-2011, 01:40 AM

المنامة عاصمة الثقافة العربية.. لماذا هذا التواطؤ مع النظام؟
يوسف مكي
2011-11-16

المنامة هي عاصمة البحرين منذ حوالي مئة سنة. بدأت أولا كمدينة اقتصادية مع نهايات القرن التاسع عشر وازدهرت في مطلع القرن العشرين، وأصبحت العاصمة الاقتصادية حيث تأسست مرافق الدولة الحيوية وأهمها الجمارك والميناء، ثم العاصمة السياسية بعد أن انتقل الحكام إليها من مدينة المحرق وبدأت تتأسس معالم الدولة الحديثة من قبيل المحاكم وجهاز الشرطة الحديث بدلا من (الفداوية) والبلديات و أصبحت مقرا للبريد والبرق والهاتف والمواصلات البحرية والجوية منذ عام (1932) وغيرها من المؤسسات الحديثة.

أما المنامة كتاريخ فلا يتجاوز عمرها على ابعد تقدير خمسمئة سنة، حيث كانت قبل أن تصبح مدينة أو عاصمة اقتصادية وسياسية حديثة، قرية زراعية ومنطقة سبخة تقع شمال جزيرة البحرين بالقرب من البحر تحيط بها المزارع، ولا توجد بها معالم تاريخية عتيدة سوى قلعة الديوان، وهي المعروفة الآن بقلعة الشرطة، أو القلعة فقط، التي تضم وزارة الداخلية، وما عدا ذلك فإن المنامة كمعالم ورموز مادية لا يتجاوز عمر أقدمها على ابعد تقدير 90 عاما. لقد ساهم الانكليز في أن تصبح هذه القرية الساحلية مدينة تعج بالنشاط والحيوية، وذلك من خلال اختيارها منذ 1900 مقرا لممثل بريطانيا العظمى في البحرين (دار المعتمد البريطاني) المعروف محليا بالباليوز وهو الاسم الذي كان يطلقه الهنود على أشخاص المعتمدين البريطانيين في الهند أيام الاستعمار البريطاني.
أما المنامة الآن وبعد مرور قرن على تأسيسها، فهي مدينة عصرية حديثة مليئة بكل مستلزمات الحياة، وقد قطعت شوطا كبيرا في مجال النهضة العمرانية ومتطلبات البنية التحتية من شوارع وأسواق ومجمعات تجارية ومعالم حضارية، هذا بالإضافة إلى الحياة الثقافية.
ومن الجوانب المهمة في حياة هذه المدينة أن التاريخ الثقافي والفكري الحديث كان سابقا على تحويل هذه المدينة إلى عاصمة سياسية. ومن الملفت للنظر في هذا الشأن أيضا أن كلاً من الثقافة والمثقف (الحديث) في البحرين عموما وفي هذه المدينة خصوصا قد نشآ بمعزل عن السلطة الحاكمة، بل نشآ في حضن العمل الأهلي / المدني الديمقراطي، وضمن الطبقات التجارية الميسورة، وبعيدا عن فرمانات السلطة، وعلى النقيض منها، حيث كانا (المثقف والثقافة) يمثلان الوجه الديمقراطي منذ نشوء هذه الثقافة الحديثة حتى الآن وذلك بالضد من السلطة الاستبدادية، وفي اتجاه معاكس لسياساتها عموما، والثقافية خصوصا.
من خلال ما سبق لم نكن نقصد كتابة تاريخ مدينة المنامة، أما مناسبة هذا الكلام عن المنامة فهو قرار اليونسكو (المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم) باعتبار المنامة عاصمة البحرين عاصمةً للثقافة العربية للعام القادم 2012 أسوة ببقية العواصم العربية التي حظيت بهذا الاختيار.
طبعا من حيث المبدأ لا احد يعترض على أن تكون المنامة عاصمة للثقافة العربية، فهي تستحق هذا الوصف، ولكن لو كان حال المنامة غير الحال التي هي عليه، لا، بل لو كان الحال في البحرين على غير الحال التي هي عليه، ولكان للمنامة أن تتباهى من بين العواصم العربية بأنها عاصمة الثقافة العربية، إلا أن الواقع لا يشي بذلك ولا يسمح بأن تكون المنامة عاصمة للثقافة العربية، حيث النظام يمارس القمع تجاه شعبه الذي يطالب بالحرية والديمقراطية والكرامة.
ولذلك ففي هذه الحال التي تعيشها المنامة / البحرين، يتساءل المرء إذن من أين للمنامة عاصمة البحرين المليئة بما يتعارض والثقافة الديمقراطية، وبما يتنافى مع ابسط حقوق الإنسان، وتعيش في ظل نظام يمنع الثقافة الحرة، أن تكون عاصمة حقيقية وممثلة للثقافة العربية؟.
فمن المعروف أن البحرين تشهد حراكا جماهيريا ثوريا منذ 14 شباط/فبرايرالماضي ولا يزال هذا الحراك مستمرا، وهذا الحراك نفسه وإنْ كان سياسيا يهدف إلى تحقيق مطالب الملكية الدستورية وانجاز المواطنة الحقة وتكافؤ الفرص بين المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية والاثنية، فهو في الوقت عينه حراك ثقافي بامتياز حيث الثقافة والمثقفون لهم حضورهم الفاعل في هذا الحراك السياسي وفي اتجاه معاكس لثقافة النظام الحاكم.
كنا نتمنى أن تكون المنامة عاصمة للثقافة العربية بحق وحقيقة، وأن الثقافة والمثقف البحرانيين بخير، أما أن تكون الآن وفي ظل الظروف القمعية للحركة الشعبية، فهذا ابعد ما يكون عن الحق والحقيقة، وهو ظلم كبير تجاه شعب له من المطالب ما لغيره من الشعوب الأخرى، لكنه يواجه بآلة قمع هائلة من قبل النظام الحاكم بحيث يتم مصادرة ابسط حقوقه المتمثلة في، حق التظاهر السلمي، والتعبير الحر عن الرأي، واحترام حرية الثقافة والمثقفين، وليس قمعه بشتى السبل.
إن الإصرار من قبل المنظمة الدولية على اعتماد المنامة عاصمة للثقافة العربية، يتنافى مع ابسط ما تدعو له هذه المنظمة من قيم الإخاء والعدالة والمساواة والحرية والديمقراطية، وغيرها وغيرها. إنها تساهم بذلك في تكريس ثقافة الاستبداد، وإضفاء الشرعية على أنظمة شمولية استبدادية قبلية تفتقد للشرعية، وهي أساسا أنظمة قائمة بالضد من الثقافة الديمقراطية بكل أشكالها، أي بالضد من مبادئ اليونسكو نفسها فكيف يستقيم ذلك.
وهنا لا يسع المرء إلا أن يتساءل: كيف يمكن أن تكون المنامة عاصمة للثقافة العربية في حين أن خيرة مثقفي هذا البلد مغيبون بشكل أو بآخر، منفيون خارج الوطن أو منفيون داخله أو مفصولون من عملهم أو ملاحقون عما يبدعون، منهم الشعراء والمعلمون ومنهم الكتاب والفنانون، ومنهم القادة والسياسيون والمحامون وأساتذة الجامعات ومنهم الأطباء والممرضون. فأين اليونسكو من كل هذا لتعتبر المنامة عاصمة للثقافة العربية.
نعم، وأكثر من ذلك كيف يمكن لليونسكو أن تعتبر المنامة عاصمة للثقافة العربية، في الوقت الذي يقوم النظام الحاكم بإجراء المحاكمات الصورية لمن يختلفون معه في الرأي والموقف أو يعارضونه، كيف تصبح المنامة عاصمة الثقافة العربية ويكون ذلك في وقت يتم فيها اعتقال الأطفال والطلاب والنساء ليس لشيء فقط لأنهم عبروا عن رأيهم بكلام يغضب النظام أو لا يتفق مع سياساته.

وفي ضوء ذلك هل يصح أن تكون المنامة عاصمة للثقافة العربية بينما تلاحق قوات الأمن المسيرات السلمية في مدن (ومن ضمنها مدينة المنامة) وقرى البحرين وتطلق عليهم النار وتجرح من تجرح وتعتقل من تعتقل وتقتل من تقتل.
في هذه الأجواء هل يصح يا يونسكو أن تكون المنامة عاصمة للثقافة العربية في ظل قمع كافة أشكال الثقافة والمثقفين، بالطبع لا يجوز هذا، إلا إذا كان المقصود من ذلك عاصمةَ للثقافة العربية لدعم الثقافة الاستبدادية المعادية لتطلعات الشعوب العربية ونيل حريتها، وهذا هو الواقع فعلا.
والأدهى من ذلك هل يصح أن تكون المنامة عاصمة للثقافة العربية في وقت باتت فيه إحدى أهم مناطق العاصمة المعروفة بدوار اللؤلؤة الشهير الذي انطلقت منه ثورة الربيع البحراني والتي قمعت بشكل دموي من قبل النظام، أقول هل يصح أن تكون المنامة عاصمة للثقافة العربية ودوار اللؤلؤة مازال مسيجاَ بقوات الأمن والأسلاك الشائكة ويعتقل من يذهب إليه، وقد تم محو معالمه من قبل النظام وهو احد أهم المعالم المعمارية / الثقافية بهدف إلغاء ما نتج عن هذا الربيع السياسي من ربيع ثقافي، حيث كان الدوار (تحفة معمارية) ورشة عمل ثقافية بالمعني الواسع للكلمة، وكان قبلة للمثقفين من كل الألوان وللمفكرين من كل الأطياف كما للسياسيين.
إذن فإن الأوضاع الثقافية والسياسة المتفاقمة في البحرين لا تسمح لأن تكون المنامة عاصمة للثقافة العربية، هذا إذا ما اعتبرنا أن اليونسكو بثقلها ووزنها الثقافي من الحريصين على تكريس مبادئ ثقافة حقوق الإنسان واحترامها، ومن ضمنها الحقوق السياسية والثقافية، وكذلك احترام خيارات ونضالات الشعوب، وعدم إعطاء الأنظمة القمعية صكوك شرعية من خلال بوابة الثقافة.
إن صرف النظر من قبل اليونسكو عما يدور في البحرين من حراك سياسي يواجه بقمع السلطة، وإصرارها على اعتبار المنامة عاصمة للثقافة العربية، فإن ذلك يعتبر مساندة للنظام وإعطائه شرعية يفتقدها من قبل المنظمة المذكورة من جهة، وفي الوقت نفسه يطعن في مصداقية وديمقراطية هذه المنظمة من ناحية أخرى. وهو مالا نرضاه لها، ولا للثقافة التي تدعو إليها.
أخيرا أين اليونسكو مما يدور في البحرين من انتهاكات ثقافية، ولن أقول سياسية؟ لن اتهم هذه المنظمة بالتآمر مع النظام، لكن مقابل ذلك لن أبريء دهاليز اليونسكو من ورطة التواطؤ مع النظام البحراني.

' باحث في علم الاجتماع - البحرين
جريدة القدس العربي

http://www.alquds.co.uk/index.asp?fn...6\16qpt478.htm __DEFINE_LIKE_SHARE__

المواضيع المتشابهه
الموضوع	كاتب الموضوع	المنتدى	مشاركات	آخر مشاركة
شواغل الثقافة العربية..من سرت إلى المنامة	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	11-09-2011 04:50 PM
حملة : تضامنا مع الثقافة البحرينية دعوة لمقاطعة المنامة عاصمة الثقاف	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	11-06-2011 10:00 PM
المنامة.. عاصمة الثقافة العربية 2012 - العرب اونلاين	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	10-31-2011 12:30 PM
وزارة الثقافة البحرينية تعلن البرنامج: المنامة عاصمة للثقافة العربية ل	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	10-30-2011 05:10 AM
القدس عاصمة الثقافة العربية رغم ترهيب الاحتلال	ŘờЎαŁ Ălмάņ9ooяi ~	اخبار محلية و عالمية	6	04-14-2009 02:35 PM