اول جمهورية كردية [جمهورية مهاباد1946]

محروم.كوم · #1 10-24-2011, 05:01 AM

يشكل الثاني والعشرون من كانون الثاني عام 1946 منعطفا تاريخيا مهماً في مسيرة الأمة الكوردية. فبعد مئات السنين من الكفاح والنضال الدؤوب يتمكن شعبنا من تقرير مصيره بنفسه على جزء من تراب وطنه، ويعلن في شرق كوردستان، وفي ساحة چوار چرا بمدينة مهاباد العاصمة عن ولادة أول جمهورية كوردية في العصر الحديث باسم جمهورية كوردستان الديمقراطية، وبذلك تفشل كل مخططات أعدائه الرامية إلى محوه وصهره.
ويرفرف العلم الكوردي، ويرتفع صوت النشيد القومي ” أي رقيب ” في ربوع هذا الجزء من وطننا برئاسة قاضي محمد الذي كان بدوره رئيسا للحزب الديمقراطي الكوردستاني مؤسس الجمهورية. فقد اعتلى الرئيس المنصة وألقى خطاب اعلان الجمهورية، جاء فيه:” لقد ذاق الشعب الكوردي طوال تاريخه مرارة العذاب والحرمان من حقوقه القومية المشروعة وقدم التضحيات الجسام على طريق تحرره واستقلاله وبقي يعاني من السحق والاضطهاد على أيدي محتليه الذين لم يدعوا شجرة حريته وآماله تعطي ثمارها….
واليوم وفي مدينة مهاباد التي هي الآن قلعة حصينة لكوردستان إيران نرى راية كوردستان بألوانها الثلاثة وهي ترفرف بشموخ وكبرياء … “. وهكذا تحولت مهاباد آنذاك إلى مركز وقبلة، ليس لكورد شرق كوردستان فحسب، بل لعموم أجزاء كوردستان.
وعمت فرحة كبرى بين صفوف الأحرار الكورد أينما كانوا، وبدأت المنظمات وأبرز الشخصيات الكوردية من شمال وجنوب وغرب كوردستان تتوافد عليها لاستنشاق نسيم الحرية وللوقوف عن كثب على منجزات الجمهورية. وقد حضر حفل الاعلان وفود تمثل كورد غرب وشمال كوردستان، إلى جانب مشاركة أكثر من ستة آلاف بيشمركه يتقدمهم القائد الوطني مصطفى البارزاني الذي عين رئيس أركان پيشمركه جمهورية كوردستان لما له من خبرة وتجربة، وذلك لترسيخ دعائم الجمهورية الفتية. وكان من ضمن الوفود التي زارت جمهورية كوردستان وفد تمثل بشخصية قدري جميل باشا ممثلا عن الوطنيين الكورد في غرب كوردستان وذلك للتهنئة ولاقامة العلاقات مع الجمهورية الفتية.

يقال إن قدري جميل باشا قدم مذكرة لرئيس الجمهورية القاضي محمد بصفته ممثلاً عن ” الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا ” في 21 أيلول عام 1946، إلا أننا نعتقد بأن المذكرة تلك لم تكن باسم حزب ما، بل ربما كانت باسم الوطنيين الكورد في غرب كوردستان، حيث أنه لم يكن ثمة حزب كوردي في سوريا في التاريخ المذكور.
غداة الاعلان عن تأسيس جمهورية كوردستان الديمقراطية كانت 54 دولة فقط عضوا في عصبة الأمم ، لكن اليوم وصل عدد الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة إلى 197 دولة. أي أنه وخلال الـ: 63 عاما الماضية ظهرت أكثر من 143 دولة. وبذلك أزاحت الأغلبية الساحقة من شعوب المعمورة عن كاهلها قيود الظلم والاضطهاد ونالت استقلالها السياسي واحتلت لها مكانا بين الأمم.
وبقي الكورد، الشعب الأكبر ( ما يقارب الـ 40 مليونا ) في العالم محرومين من دولتهم الخاصة بهم. على الرغم من أنه يكاد ينفرد من بين الشعوب بما قدمه ويقدمه من شهداء وتضحيات جسام في سبيل نيل حريته واستقلاله.
والحقيقة أن أحد العوائق الرئيسة أمام تشكيل دولة كوردية مستقلة هو تجزئة كوردستان بين أربع دول، لما لهذه الدول من شبكة علاقات ومصالح اقتصادية مع دول العالم. وقد أصاب الباحث التركي اسماعيل بيشكجي كبد الحقيقة عندما عنون كتابه بـ: ” كوردستان مستعمرة دولية “.
وبالرجوع إلى الأيام التي سبقت اعلان الجمهورية، فقد كانت سلطة الحكومة المركزية في سائر أنحاء إيران في تراجع مستمر، خاصة في مناطق الشعوب غير الفارسية. وازداد هذا التراجع بعد احتلال قوات الحلفاء عام 1941؛ انكلترا وأمريكا وسط وجنوب إيران، والاتحاد السوفيتي شمال وأجزاء من غربه.
وكانت سياسة السوفيت آنذاك تميل إلى دعم الشعوب لنيل حقوقها القومية، فتضافرت العوامل الداخلية والخارجية، واستغل الكورد والأذريون الإيرانيون الوضع الناشئ، وبعد لقاءات عدة بينهم وبين السوفيت متمثلة بشخص رئيس جمهورية آذربيجان السوفيتية جعفر باقروف في باكو، ثار الآذريون والكورد وطردوا القوات الإيرانية من آذربيجان وكوردستان وأعلنوا استقلالهم بعد تلقيهم الدعم من السوفيت.
وبالرغم من الفترة القصيرة من عمر جمهورية كوردستان الديمقراطية، والتي يسميها البعض خطأ بـ:” جمهورية مهاباد ” التي عاشت 330 يوما، فإنها أنجزت منجزات كثيرة وتاريخية، منها إغناء ونشر الثقافة الكوردية وتدريس اللغة الكوردية في المدارس وجعلها اللغة الرسمية، وطبع الكثير من الصحف والمجلات والكتب. ودخول المرأة الكوردية ميدان النضال السياسي والاجتماعي رسميا لأول مرة من خلال تأسيس اتحاد النساء الديمقراطي الكوردستاني وتأسيس جيش الپيشمركه الذي حل محل جيش وجندرمة الحكومة المركزية وتمهيد الطريق لتحسين الوضع الاقتصادي لعامة شعب كوردستان من خلال التجارة المباشرة مع الاتحاد السوفيتي وتوفير الأمن والراحة لجماهير كوردستان ومحاربة الفساد والرشوة التي كانت منتشرة أيام رضا شاه، وغيرها. وهكذا أخذ الشعب الكوردي مصيره بيده أول مرة وتذوق طعم الحرية.
لكن جمهورية كوردستان لم تستطع الصمود أكثر من 11 شهرا، فانهارت نتيجة عوامل داخلية تمثلت في التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وسيطرة العلاقات الاقطاعية والتركيب الاجتماعي القبلي لريف كوردستان، و الأمية التي كانت تصل إلى 90% من السكان، ووقوف البعض من رؤساء العشائر إلى جانب الحكومة المركزية حاملين السلاح في وجه أبناء جلدتهم، وقلة خبرة الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي أسس الجمهورية في إدارة شؤون الدولة، فلم تستطع الجمهورية بسط سيطرتها إلا على ثلث مساحة شرق كوردستان. هذا إلى جانب العامل الخارجي الذي تمثل في حبك مؤامرة دولية من خلال دعم كل من انكلترا وأمريكا الشاه وتخلي السوفيت عن دعم الكورد مقابل الحصول على امتيازات نفطية من إيران. وقد طلب قادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في اجتماعهم الأخير قبل ثلاثة أيام من سقوط الجمهورية من قاضي محمد مغادرة مهاباد والنجاة بنفسه، اما إلى العراق أو الاتحاد السوفيتي، فرد عليهم القاضي محمد:” ..
انني لو غادرت مهاباد فإن الحكومة ستصب جام غضبها وحقدها على الناس الفقراء وتدمير المدينة عن بكرة أبيها… أما في حالة بقائي فسأعلن مسؤوليتي عن حدوث كل شيء وآنئذ أكون المتهم الوحيد في هذه الأحداث، وعندها سيسلم الناس ولتفعل بي الدولة ما ترى.. ان الجيش الإيراني قادم، وإذا دخل مهاباد ولم يجدني فيها فسوف تكون أعراض نساء مهاباد تحت رحمته. اذهبوا أنتم، لا أريد لكم الموت، ولكني سأبقى مع الشعب..”.
ومن ناحيته فقد التقى به البارزاني هو الآخر في 16/ 12 أي قبل يوم من دخول القوات الإيرانية مهاباد وطلب منه الذهاب معهم، فكان أن أجابه نفس الجواب، إذ قال له:” … أنا أعرف أن حياتي في خطر، ولكن لا بأس، فأنا لن أترك الشعب..”. لكنه سلمه العلم الكوردي، لأنه كان يعلم بأنه خير من يحافظ على هذه الأمانة، ويعمل على متابعة النضال في سبيل حصول الشعب الكوردي على حقوقه القومية المشروعة. وها نحن اليوم نرى كيف أن ذاك العلم يخفق في سماء جنوب كوردستان. حتى أن مكتبة قاضي محمد الخاصة، والتي كانت تحتوي على أكثر من 1640 كتاباً بمختلف اللغات، إلى جانب أكثر من 600 كتاب بخط اليد، هي الآن في عهدة رئيس اقليم جنوب كوردستان حسبما ذكر علي قاضي محمد في مقابلته الأخيرة مع جريدة ( رووداو - Rûdaw) ، العدد 27 ، 12/ 1/2010.
فتقدم جيش الحكومة المركزية نحو مهاباد، بعد أن قضى على جمهورية آذربيجان، ودخلها دون مقاومة في 17/12/ 1946، وكان ذلك آخر يوم من عمر الجمهورية. واعتقل قاضي محمد مع بعض القادة الآخرين وأودعوا السجن إلى أن نفذ فيهم الاعدام شنقا في 31/ 3/ 1947 في نفس الساحة التي شهدت ميلاد الجمهورية. فانقلبت الفرحة إلى مأتم ومأساة، وتحول العيد الوطني إلى مناسبة دامية مشحونة بالحسرة والهموم وذرف الدموع التي لن تقف إلا بعد أن يرتفع العلم الكوردي ثانية في ساحة الأفراح والآلام، ساحة چوار چرا، ويردد (أي رقيب)” أيها المترصد، ما زال الشعب الناطق بالكوردية باق، لا يقول أحد مات الكورد، الكورد أحياء “.
وبعد تسلم نظام الملالي في إيران الحكم عام 1979 ولتاريخه تعرض شعبنا الكوردي مرة أخرى - ومازال - لعدوان بربري لا مثيل له، إلا أن شعبنا هناك ضحى ولا يزال بخيرة مناضليه. وما اغتيال الدكتور عبد الرحمن قاسملو ومن بعده د. صادق شرف كندي قادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وقوافل أخرى من الشهداء المتواصلين الذين كان آخرهم - وليس الأخير - احسان فتاحيان و… إلا وصمة عار على جبين هذا النظام المجرم.
فتحية تقدير واجلال إلى روح قائد الجمهورية قاضي محمد الذي ضحى بنفسه من أجل أن يبقى شعبه مرفوع الهامة. تحية اجلال وتقدير إلى أرواح شهداء حرية كوردستان.

King Of Hell

__DEFINE_LIKE_SHARE__

أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع أرسل هذا الموضوع إلى صديق
انواع عرض الموضوع
العرض العادي الانتقال إلى العرض المتطور الانتقال إلى العرض الشجري

المواضيع المتشابهه
الموضوع	كاتب الموضوع	المنتدى	مشاركات	آخر مشاركة
خدمات شحن إلى جمهورية مصر العربية	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	05-27-2010 12:20 PM
جمهورية القرشاي والشركس	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	04-30-2010 08:00 PM
خريطة جمهورية مصر العربية	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	07-16-2009 05:10 AM
"جمهورية سلوفاكيا	‏غرور اماراتيهـ	سفر وسياحة	16	09-10-2008 05:23 PM
جمهورية جنوب أفريقيا	$برق لمع$	سفر وسياحة	25	09-09-2008 08:12 PM