السيد العلوي: إسقاط النظام والمملكة الدستورية واصلاح دستوري

محروم.كوم · #1 09-16-2011, 01:10 PM

إسقاط النظام، الملكية الدستورية، إصلاحات دستورية.. وتحمل مسؤولية الخيار

من سماحة السيد محمد علي العلوي

في 16 سبتمبر، 2011‏، الساعة 02:15 صباحاً‏‏

الحكم المحكم الصحيح يتبع الموضوع، فإذا أردنا الحكم على موضوع ما وجب علينا أولًا الإحاطة بكل أبعاده حتى يكون حكمنا عليه في محله ومستحقًا له، ومن شروط ذلك أن يكون الموضوع أولًا قادرًا على حمل الحكم واستيعابه، فلو حاول أحد تكييف الشيطان (الموضوع) بما يوافق الحكم عليه بالعدل يكون واهمًا ومضيعًا للوقت والجهد، أما السبب فهو لعجز الشيطان عن تحقيق مفهوم العدل في سلوكه، ليس لعيب في العدل، ولكن لقصور الشيطان عنه. هذه قاعدة نحتاج إلى استيعابها جيدًا في عملنا عمومًا سياسيًا كان أو غير ذلك.

إذا استوعبنا هذا القانون الأصيل نعرج على موضوع المقال، وهو بحث سريع في خيارات المعارضة في البحرين، وأبدأ بخيار الملكية الدستورية..

قالوا في تعريفها: "الملكية الدستورية هي نظام يحكم فيه الملك على سلطات يحددها دستور وهو عكس نظام الملكية المطلقة، حيث يكون رئيس الدولة الأعلى في هذه الحالة ملكاً يتولى الحكم عن طريق الوراثة، ولكن الشعب هنا يكون صاحب السلطة، وتكون له وحده السيادة، ولا يكون للملك السيادة ولا حتى أيّ جزء منها، ولا يمارس أية سلطة فعلية، إنما تتركز السلطة الفعلية في أيدي الهيئة المنتخبة من الشعب صاحب السلطان الأصيل، ويلاحظ أن النظام السياسي البرلماني هو المجال الأصيل لتطبيق نظام الملكية الدستورية".

في البحرين هناك عائلة يمثل أفرادها قرابة 1.5% من السكان، ولكنها تسيطر على أقل بقليل من 50% من وزارات الدولة ناهيك عن الأملاك الجغرافية المترامية في طول البلد وعرضها، هذا إن لم نذكر ذلك الكم الهائل من المناصب الرئاسية التي يعتبرونها حق أصيل لهم، ولا أريد الدخول مع القارئ الكريم في إحصاءات هو أخبر بها مني..!
وعليه فإن مطلب الملكية الدستورية لا يعني عزل شخص الملك عن مفاصل الحكم في البلاد، ولكنه يعني وبشكل مباشر عزل هذه العقلية المتسلطة وسلبها ما تعتقده حقًا لها، ولازم ذلك أحد أمرين، فإما أن تغير السلوك الفكري لهذه العائلة من أساسه، أو أن تجبرها بالقوة على القبول بالملكية الدستورية. أما الأول فيقتضي التوقف عن الاحتجاجات والتركيز على إدخال السلطة في دورات تثقيفية مكثفة قد تأتي ثمارها بعد جيل أو أكثر، وأما الخيار الثاني فمتعذر من أصله على اعتبار أننا كشعب نعيش في وسط أجواء إقليمية ترى فيها السلطات أنها المالكة للخليج وليست الشعوب إلا دون تكرمت عليهم بالعيش على أراضيها.
إلا أن نقول بأن مطلب الملكية الدستورية عنوان مطلوب لما هو أقل منه.

إن من يقارن الوضع في البحرين بالوضع في بريطانيا أو إسبانيا أو هولندا أو غيرها من دول الملكيات الدستورية ربما لم يلتفت إلى الفروق الآيديولوجية بين ما عندنا وما عندهم، هناك يسود الشعور بقيمة المواطن وأن له كامل الحق في ممارسة السلطة على اعتباره الطرف الأساس فيها، ولأن إليزابيث –مثلًا- تحب بريطانيا بل تعشقها فهي تفتخر بكونها تعيش الحالة الملكية التي تشبع بها الجانب الأرستقراطي الذي ربت عليه وتكونت في كنفه، وفي نفس الوقت تعيش الإطمئنان على شعب أحبته وستبقى محبة له.. إنها الأمة الانجليزية في كل أبعادها وليست في بعد العائلة المالكة فقط، وهذا فرق جوهري بيننا وبينهم في أصل مشروع الملكية الدستورية.

أكرر بأن هذا المطلب يستلزم إعادة صياغة العقلية الحاكمة هنا، فالأمر لا يتعلق بشخص فلان أو فلان، ولكنها يتعلق وبشكل مباشر مع عقلية العائلة من أولها إلى آخرها، فلننتبه جيدًا.

نأتي الآن إلى مشروع إسقاط النظام من رأس، وهو ما يسمى في عقلية الدولة بمحاولات التحريض على كراهية النظام وإحداث إنقلاب سياسي يمنعه القانون.
في هذا الخيار يركز المحللون على الوضع الإقليمي وخصوصًا في الجانب الذي أشرت إليه قبل قليل، إنه نوع من التغيير لن تسكت عليه السلطات الحاكمة في الخليج، فبالإضافة إلى أن المصالح الشخصية متداخلة بين العوائل القبلية في هذه المنطقة فينبغي لنا أن لا ننسى طريقة الفكر القبلي الذي يحتم على أهل القبيلة أو القبائل الوقوف كل في ظهر الثاني دفاعًا عنه وحماية لمصالحه، خصوصًا مع ما يحملونه من عداء متجذر للمدنية والتحضر، ولا نسى شعورهم التقليدي بالنقص في قبال أهل المدينة، فهذه أحقاد قديمة لا يمكنهم التخلص منها، ولذلك نرى سلوكهم المتطرف جدًا في مواجهة أي حركة احتجاجية حتى لو كانت في قمة السلمية والتحضر.

إن خيار إسقاط النظام يعني عزل البحرين عن باقي دول الخليج مع تأمين عدم التدخل من أيها في الشأن المحلي، وهذا يبدو متعذرًا بحسب المقدمات السياسية، إلا أن يطال التغيير كل الأنظمة الخليجية وهذا هاجس تعيشه وهو الذي دعاها إلى محاربة الثورة في البحرين وتقديم الدعم من اكبرها للسلطة هنا.

هناك رهان آخر يهون الأمر ويشجع على هذا الخيار ويرجحه على خيار الملكية الدستورية، إنه احتمال التدخل الدولي بعد الملل الذي أصاب مجتمعه الإداري من السياسات المتخلفة للسلطات الكبرى في دول الخليج، وهذا احتمال نراه كمتدينين من باب تسليط الله الظالمين على الظالمين، فلا نراهن على المجتمع الأمريكي من باب الحسابات السياسية فقط.
إن إسقاط النظام يعني لزوم الصبر والاستعداد لتقديم التضحيات التي تناسب حجم هذا المطلب، ولكنها تضحيات تتبعها ثمرات كبرى –في نظري-، إذ أن تحول المنطقة إلى هذا النوع من المواجهات التي يمثل فيها الطرف الشيعي اللاعب الأبرز ومع وجود الفزاعة الإيرانية يرجح احتمال التوجه الأمريكي لاحتواء الحالة بما يؤمن وجودها الاقتصادي والعسكري والفكري في هذه المنطقة الحساسة من الشرق، ولذلك فإن مراقبة الحراك الشعبي في البحرين وإن كان متخفيًا بعض الشيء إلا أنه يبني على كونه الشرارة التي في قدرتها تغيير المعادلات الإقليمية بشكل يكاد أن يكون غير مسبوق على الإطلاق.

أما خيار الإصلاحات الدستورية، فأراه متحققًا في غضون الأيام أو الأشهر القليلة القادمة على اعتباره أقصى ما يمكن للسلطة ذات العقلية القبلية تقديمه في ظل هذه الأحداث المتعاظمة والاستياء الدولي من أفاعيلها، وهذا الخيار هو رهان الدولة مع بعض القوى السياسية في البلد، فإن طرح وواجهه الشعب بغضبته المتوقعة فأرى ضربة قمعية شديدة تطل علينا بعنقها، ولكنني أتصورها الأخيرة فبل وقوع التغيير الجذري الذي ينشده شباب الثورة ويصر عليه بقوة بعد السلوك الوحشي للسلطة في تعاملها مع ميدان الشهداء وما أفرزه من وعي متقدم جدًا في صفوف الشعب.

قد تقتنع أو تتقانع المعارضة بمشروع الإصلاحات الدستورية وتمشي في فلكه راضية أو مسايرة، وهذا ما أخافه حقًا، ليس مصادرة لرأيها ورؤاها، ولكن خشية من وقوع النزاع في داخل الصفوف خصوصًا إذا شعر الشعب بأن جهة من الجهات تسعى لتجاوز إرادته وتخطي مثمن تضحياته.

هذه صورة أقرب إلى الإيضاح منها إلى البيان، وكل رجائي من رجالنا ونسائنا وشبابنا وصغارنا أن لا يبخلوا علينا بمزيد من إطلاع ومطالعة وتأمل وتدبر وتباحث ومباحثة حتى يتحقق التقدم الفكري بصورة أكبر مما يؤهلنا جميعًا إلى الرقي في مطالبنا والترقي في مساعينا، ولا بد لنا من المحافظة دائمًا وأبدًا على نية القربة من الله تعالى في كل حركة وسكنة حتى نكون مصادقًا لمن يوفي لهم الله تعالى بوعوده..

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).

محمد علي العلوي / 13 شوال 1432هـ

__DEFINE_LIKE_SHARE__

المواضيع المتشابهه
الموضوع	كاتب الموضوع	المنتدى	مشاركات	آخر مشاركة
(مقال رائع) إسقاط النظام، الملكية الدستورية، إصلاحات دستورية.	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	09-16-2011 04:11 AM
(مقال رائع) إسقاط النظام، الملكية الدستورية، إصلاحات دستورية.	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	09-16-2011 04:11 AM
قناة المنار تنظم إلى شعار إسقاط النظام ويسقط حمد وتبقى الوفاق	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	09-09-2011 11:10 PM
تـغـطـيـة مـصـورة: عشرات الألوف يهتفون لا تنازل عن إسقاط النظام	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	09-09-2011 10:10 PM
مملكة دستورية - أو إسقاط النظام ((الحل سوف يأتي من الشارع))	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	08-28-2011 03:50 AM