أقلام حرّة - لؤلؤة أوالبقلم:جلال آل حسن هناك خطان متوازيان لا يلتقيان في تاريخ النضال ضد الاستبداد: التعاطي مع الأجهزة أو الأدوات التابعة للنظام الاستبدادي، والمناداة بإسقاط الدكتاتورية. هذان أمران لا يمكن أن ينسجما معاً، مهما كانت القدرة الاحتيالية أو مستويات التدجين لدى المعارضة أو المعارضين. المشكلة التي يُعاني منها النظام المفاهيمي والأداء الفعلي للمعارضة في البحرين هو أنها تعمل وفق منظومة ترى إمكانية الجمع بين التناقضات، وهي تفعل ذلك بشعور منها أو بلا شعور - تحت عناوين مستوردة من تجارب المعارضات الانتهازية أو تلك التي انقطعت أنفاسها وأصابها اليأس، واضطرت إلى أن تلعب في السياسة بأدوات فن الممكن وليس أدوات انتزاع الحقوق. لا شك أن المعارضة في البحرين تعلّمت الكثير من أخطائها السابقة. ومن المؤكّد أنها تجاوزت بعضا من أساليبها وخطاباتها القديمة، وخاصة تلك التي صدعت بها الرؤوس بعد الانقلاب الدستوري عام 2002م. في تلك المرحلة التي استمرّت إلى حين ثورة 14 فبراير 2011م؛ كانت المعارضة مبهورة بالمدرسة التي تتحدّث عن المقاومة من الداخل، وكانت سيرتها تقوم على فكرة: عدم القبول بالأمر الواقع، ولكن لابد من التعامل معه تحت قانون الضرورة. تحت هذا الفهم، تولّدت العديد من المفاهيم والممارسات التي أدّت في نهاية الطريق إلى تكريس الدكتاتورية وتوسيعها. نتذكّر في هذا المجال قضية العمل تحت مظلّة القوانين الظالمة التي أصدرها النظام قبل الثورة، ونتذكّر السيل الهائل من الفلسفة التبريرية التي تظلّلت بمقولة العمل وفق القانون، ولو كان قمعياً. أدّى ذلك ضمن نتائج كارثية كثيرة إلى اصطفاف المعارضة مع النظام في مواجهة المجموعات الشبابية واللجان الشعبية التي رفضت الانخراط تحت الغلاف الاستبدادي للنظام. شُهرت في وجوه الشباب واللجان العديد من الاتهامات، وحوصرت في الشوارع والمساجد ومواقع الانترنت. المعارضة بعد الثورة تحسّنت قليلا. الميّت، والمغرور، هما اللذيان لا يتعلّمان. وجزء هام من المعارضة ليس من هذين الصنفين. ولكن المشكلة أن المعارضة لا تريد أن تقتنع بأن هناك أخطاء جذرية لازالت عالقة فيها. ومن ذلك، أنها لاتزال تشعر بضرورة الالتصاق بالنظام وأجهزته، بغرض تحقيق مكاسب شعبيّة، ولم تستطع حتى الآن حزم أمرها بتحقيق المفاصلة مع الأدوات التي تمثّل النظام، وتظن أن السياسة تقتضي استمرار التعاطي معها، لاكتساب فرص التفاوض. لكن، الحقيقة تقول بأن النظام في البحرين قائم على الاستبداد والقمع، وأثبتت المراحل المختلقة التي قطعتها الثورة أن كلّ أجزاء النظام وأدواته يتغذّون من قاعدته القائمة على الاستبداد. فكيف يمكن أن يطمئن العقل والقلب بأن يعطي جزءاً من هذا النظام حق الناس في حكم نفسها بنفسها؟ ستستمر معضلة المعارضة طالما أبقت على نفسها مرهونة بظلال النظام وأدواته. المناداة بالديمقراطية وإسقاط الدكتاتورية يحتاج إلى إزالة الاعتراف بالنظام نهائياً، وتعطيل كلّ أشكال التعاطي معه، وتحويله إلى كيان منبوذ غير قابل للاستمرار. أما الجلوس معه ضمن الحوار العلني والحوارات السرية فهو يمثّل تغذية راجعة لتمديد عمر الدكتاتورية وإنعاشها.