من يسير مع التيار ليس مثل من يسير عكس التيار ويقاوم موجاته العاتية. لست في أزمة وورطة وإفلاس في مجال التعبير عن الثورة وأهدافها وشعاراتها طالما كنت جزءاً من حراكها ومتناغماً مع مطالب جماهيرها، ولكن تنشأ الأزمة والورطة والتقلب والتردد عندما تعاكس وتضادّ الشعارات الواضحة وتحاول تأويلها وتجييرها لأهداف ليست أهدافها وإلى سقف لا يناسبها ومن ذلك ابتكار هذا المصطلح وهو: أنّ الثورة في البحرين سلمية إصلاحية!

لا أدري إلى متى ستظل عقدة السلمية مهيمنة على تفكير هؤلاء النشطاء وأيضاً عقدة عدم الثقة بالنفس، وتزامناً مع هذه العقد وورطة المصطلحات والتردد فيها هناك كذبة يراد لها أن تلصق بالقهر على الثورة وهي القول بأنها ثورة إصلاحية لا بمعناها العلمي والديني الواسع والذي يستوجب الكفر بالطاغوت ومقارعته وعدم شرعنة حكمه ولكن بالمعنى السياسي الضيق والمتداول للمصطلح وهو أنّ الثورة لا تستهدف إسقاط النظام وإنما تعمل على تطويره وإصلاحه!

بالنسبة لنعت الثورة بالسلمية فهي كذلك في انطلاقتها وروحيتها، إنها تحمل هذه الصفة لأنها تعبّر عن صفات ومشاعر وأخلاقيات شعب البحرين، ولكن إذا شوهت معاني السلمية التي عبر عنها قادة الثورة انسجاماً مع ما يقرّره القرآن وليس ما تقرّره الدول والمنظمات فإنها ستكون كمعنى مشوه ومصطلح أعوج موضع ارتياب ونفور لأنها تخالف الفطرة الإنسانية والثقافة الدينية التي تربّت عليها أجيال هذا الشعب المسلم المقاوم.

وقد أشرت في موضوع ~ حيث يوجد احتلال توجد مقاومة ~ أنّ الأوطان عندما تستباح والأعراض تنتهك نكون بصدد الحديث عن مقاومة والترويج إلى الأساليب الناجعة لصدّ الإعتداء ودحر العدو وليس إلى شعارات ومصطلحات أخرى.

أما بالنسبة لأكذوبة كون الثورة إصلاحية، فلم نعهد ثورة تخرج من أجل تثبيت شرعية وإنما الثورة عندما تندلع وتتفجر فإنها تنزع الشرعية القائمة، هذا إن وجدت. الثورة تسقط الشرعية السياسية ولا يمكن لأحد أن يتحدث باسم الشرعية الثورية وإنما الشعب الثائر هو من يحدد مسار الثورة ومآلها ومن يتحدث باسمها وكيف يتم بناء شرعية سياسية جديدة. أقول شرعية سياسية جديدة لأن الثورة إنما قامت من أجل القضاء على الأوضاع الفاسدة والجرائم غير المحتملة التي استهدفت الناس في وجودها وفي دينها وأعراضها ومقدساتها. وإذا وضعنا النقاط على الحروف فالثورة إنما انفجرت لأنّ شعب البحرين يريد أن يتخلص من سطوة العائلة الخارجية ويحرّر البلاد منها وممن تعاونت معهم على غزو واستباحة البلاد وليس لتقسمهم لأجنحة وتيارات ولا لتصطف مع جناح أو تيار من آل خليفة ولا لتبرّر لقاتل جرائمه ولا لسارق وناهب سرقاته وما نهبه من أموال عامة محوّلاً إياها لتجارة خاصة!

والشرعية الثورية هي من تحدّد شكل الشرعية السياسية الجديدة، الثوار هم من يحدّدون وليس السياسيون من يفصّلون ثم يفرضون على قوى الثورة شكل الشرعية السياسية الجديدة. والحال أننا نرى أنه يجري العمل ليس على فرض شرعية جديدة وإنما على تثبيت شرعية مفقودة وغير موجودة بالأصل!

هناك ورطة في مجال المصطلحات والخيارات، فالتردد قائم بين كون ما يحصل في العرين حواراً أم تفاوض وبين كوننا نعيش انتفاضة أم ثورة وبين كونها ثورة سلمية إسقاطية أم ثورة سلمية إصلاحية!

ولو دققنا النظر فإننا سنستهجن كذلك الحرص على إلحاق السلمية بالثورة عندما تذكر، فيقال: الثورةُ السِّلمية! أليس هذا الصخب والتكرار لهذه الأوهام والهرطقات على لسان السياسيين وأدواتهم الإعلامية هو مخطط لتمييع الشعارات وتشويش الأهداف والطعن في الثورة؟


الثورة عبارة عن تموج هادر وعدم اعتراف أو التفكير في مجرد الإعتراف بالوضع السياسي القائم الذي خرجت الثورة من أجل أن تغيّره وتتخلّص منه.

لكن يرغب الساسة الذين يسبحون عكس التيار وخلافاً لما يريده الشعب ويعبّر عنه كل يوم أن يبتكروا الشعارات والمصطلحات كلما شعروا بأنهم يعيشون ورطة وأزمة في هذا الصدد ثم يسوّقون ويكرّرون هذه المصطلحات الهجينة والكاذبة عسى أن تمرّر وتجد لها موطئ قدم!

لو افترضنا جدلاً أنّ الشعب كان في يوم من الأيام جاهلاً ومنسوب وعيه قليلٌ وقاصر فهو قد تغيّر وما زال يتغيّر ولم يبقَ على حاله كما تظنون، ولذا فإنّ هاجس الوصاية والإشراف على شؤون القُصَّر لا ينطبق على شعب البحرين لأنّه يعرف عدوّه وقد جرَّبه فإذا به يُلدغ منه مرّة ومرّتين وثلاث بل وأكثر، فإلى متى يجب أن يستمرَّ على هذه الحال برأيكم؟


دماء الشهداء
ملتقى شهداء البحرين وضحايا التعذيب