الشريط المرعب فتح ملف التعذيب بدول مجلس التعاون

محروم.كوم · #1 05-11-2009, 09:40 PM

الشريط المرعب فتح ملف التعذيب بدول مجلس التعاون
د. سعيد الشهابي
06/05/2009

لم يعرف عن دولة الامارات العربية المتحدة وجود (معتقلين سياسيين) فيها الا نادرا، ولم يقترن اسمها بـ (التعذيب) الممنهج لـ (المعارضين السياسيين) ان وجدوا، ولكن التعذيب ليس المقياس الوحيد لمدى انتهاك حقوق الانسان او احترامها، فهناك حقوق انسانية اخرى تتعرض للانتهاك في بعض دول مجلس التعاون منها الاتجار بالبشر، انتهاك حقوق العمال الاجانب، حقوق المرأة، حرية التعبير، حرية المواطنين في اختيار حكومتهم وغيرها. ولذلك فقد أحدث الفيلم الذي انتشر على مواقع الانترنت حول قيام شقيق حاكم أبوظبي، بتعذيب شخص أفغاني اتهمه بالغش، ضجة في الاوساط الحقوقية والسياسية، ودفع البيت الابيض لتجميد التوقيع على صفقة بعشرات المليارات من الدولارات لبناء مشروع نووي بدولة الامارات.
ويندر الحصول على اثباتات حسية دامغة لممارسة التعذيب خصوصا من قبل الانظمة التي تمارسه على نطاق واسع، اذ ان اجهزة الامن تكتسب من الخبرات ما يجعلها قادرة على اخفاء جرائمها. ومن المؤكد ان ما يمارس في زنزانات التعذيب بالدول المشهورة بممارسته، خصوصا مصر والسعودية والبحرين، يفوق كثيرا ما مارسه الشيخ سعيد بن زايد آل نهيان، برغم فظاعة ما اقترفه. وربما الأخطر في هذه القضية درجة الحماقة لدى هذا الرجل التي دفعته للاصرار على تصوير فعله. وهذا تأكيد على عدد من الامور: اولها انه لا يدرك مدى خطر تلك الجريمة، ثانيها: انه ربما وصل الى درجة من السادية تجعله يشعر بالتلذذ وهو يؤذي الآخرين، ثالثها: ربما راوده الشعور بقدرته على الاحتفاظ بالشريط لنفسه، وبالتالي لن يطلع عليه أحد، رابعها: ان دولة الامارات ليست لديها تجربة مع التعذيب كممارسة روتينية وبالتالي لا يدرك زعماؤها خطر جريمة التعذيب. أيا كان الأمر فقد أوقع هذا الشخص نفسه وبلده في أزمة خطيرة بسبب نوازعه الشخصية التي لا ترتبط بالمصلحة العليا للدولة. ومن الصعب الحكم على مدى رجحان عقل هذا الرجل نظرا لعدم معرفته عن قرب، اذ ان مرتكبي الجرائم المحترفين وغيرهم، يبذلون جهودا كبيرة لاخفاء جرائمهم، بينما سعى هذا الرجل لتوثيق ما قام به، الامر الذي يصعب التكهن بالدوافع وراءه.

قضية التعذيب جانب من قضية حقوق الانسان. وهي مشكلة مستعصية في بلدان الخليج لأسباب عديدة. اولها غياب الحكم الدستوري الذي ينظم العمل السياسي ويوفر أنظمة للرقابة والمحاسبة. ولذلك فان توفر الكويت على دستور معقول يجعل حقوق الانسان اقل عرضة للانتهاك. هذا لا يعني غيابها تماما. فالتقارير الدولية تؤكد وجود انتهاكات لحقوق العمال الاجانب على نطاق واسع خصوصا الخادمات اللاتي تعملن في المنازل. ثانيها: ان الوفرة المالية خلقت ثقافة استهلاكية عالية ساهمت في تكريس عقلية الاستعلاء في نفوس الكثيرين، خصوصا ازاء الطبقات المجتمعية الضعيفة او المستضعفة. ثالثها: غياب الاعلام الحر أضعف الرقابة القادرة على كشف الانتهاكات والمخالفات وتجاوز القوانين ان وجدت. رابعها ان نظام الحكم العائلة وفر لأفراد تلك العائلات حصانة امام القوانين التي لا تطبق بشكل متساو على الجميع. هذه الانتقائية في تطبيق القوانين توفر حصانة للبعض وتجعله يشعر انه فوق القانون. ولو كان الشخص المصور في شريط الفيديو يشعر انه محكوم بالقانون لربما سعى لاخفاء عمله على الأقل. خامسها ان مجلس التعاون يشعر بوجود غطاء سياسي ودبلوماسي غربي يحميه من غضب شعوبه اولا ومن القضاء الدولي ثانيا، ومن المؤسسات السياسية الدولية كمجلس الامن ثالثا. يضاف الى ذلك ان الدول الغربية، خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا، تزودان هذه الدول بالخبرات الامنية التي تمارس الانتهاكات بشكل منهجي. فليس خافيا مثلا ان اجهزة الامن في بعض هذه الدول، خصوصا المرتبطة بالاجهزة العسكرية تدار بشكل مباشر بخبراء امنيين غربيين. فجهاز الامن في البحرين أسسه البريطانيون في 1966 عندما كانوا يحكمون الخليج من خلال (وكلائهم السياسيين) الذين كانوا تحت ادارة المقيم السياسي البريطاني. وما يزال الخبراء البريطانيون والامريكيون يمارسون مهمات الامن في المنطقة. وفي العراق، انكشف دور الامريكيين والبريطانيين في ممارسة التعذيب في سجن (أبوغريب) وغيره، الامر الذي يثير الكثير من التساؤلات عن مدى التزام الغربيين بمبادىء حقوق الانسان، ومدى وفائهم بالتزاماتهم الدولية. وقد جاءت تصريحات الرئيس اوباما الاخيرة بعدم موافقته على التحقيق في قضايا التعذيب، وما يترتب عليها من احتمال محاكمة مرتكبيها لتضع خطا تحت أي امل بممارسات عادلة ضدهم.

في السنوات الاخيرة تعددت التقارير الصادرة عن الجهات الحقوقية الدولية المعنية بحقوق المستخدمين الاجانب في دول مجلس التعاون الذين يفوق عددهم عدد السكان الاصليين. يواجه هؤلاء معاملة غير انسانية، فلا توفر لهم حقوق المواطنة، في التطبيب والتعليم والتجنس، ولا تطبق عليهم القوانين التي تنظم الحدود الدنيا من الاجور، ولا يسمح للكثيرين منهم بحصر ساعات عملهم وفق القوانين المعمول بها دوليا، بل يعمل بعضهم على مدار الساعة تقريبا. ولا يتمتع اغلبهم باجازات نهاية الاسبوع، ولا يمنحون اجازات سنوية. يضاف الى ذلك ان الكثيرين منهم، كما كشف فيلم بثه التلفزيون البريطاني الشهر الماضي، الاوضاع المعيشية السيئة التي يعيشون فيها بعد عودتهم من اعمالهم في ساعات متأخرة كل يوم. فاماكن السكن لا تتوفر على القدر الادنى من النظافة او المجاري الصحية، ويجبرون على العيش في اماكن سكن ضيقة لا تليق بالكرامة الانسانية. وفوق ذلك عدم تقنين الحد الادنى من الاجور لهؤلاء، برغم ساعات عملهم الطويلة. هذه حقائق يدركها الخليجيون بوضوح، لانها ظاهرة للعيان. فهناك ممارسات عنصرية مقيتة يجب ان تحرر تلك البلدان منها لانها عار في جبين الانسانية وتتناقض مع مبادىء الاسلام الحنيف الذي يمنع استغلال الآخرين او استعبادهم او القيام بما من شأنه النيل من انسانيتهم ومصادرة حق الانسان في التمتع بحياة كريمة. وما أكثر التقارير التي صدرت في العقدين الاخيرين حول معاناة العمال الاجانب بمنطقة الخليج. صحيح ان حكومات تلك الدول قامت باجراءات كثيرة للحد من هذه الانتهاكات، ولكن هناك ثقافة تعمقت لدى أغلب مواطني تلك الدول، بالاعتماد على الآخرين في كل شيء: في تشييد المنازل، وصيانة المنشآت، وخدمة العائلات، وتربية الاطفال، بحيث اصبح من غير المقبول اجتماعيا عدم توظيف خادمات لدى العائلات. وبالاضافة لتدني مستوى التعامل الانساني لهؤلاء، تنشأ اجيال من الاطفال تعتمد في وجودها بشكل كامل على استخدام الآخرين. ولذلك انتشرت ظاهرة البدانة بين الاطفال وعدم اللياقة وانتشرت الامراض المرتبطة بهذه المشاكل. وتحولت المجتمعات الخليجية الى شعوب استهلاكية بدلا من الانتاج. وتلاشت الحرف تدريجيا، وغابت المهارات، فلم يعد هناك (البناء) او (النجار) او (الكهربائي) بصورة احترافية، لان المواطنين اعتمدوا على العمالة المستوردة في كل شيء تقريبا.
في هذه الظروف تواصلت انتهاكات حقوق الانسان. فكما ان المواطن يتعرض للانتهاكات على ايدي السلطات، فانه يمارسها كذلك بحق مستخدميه. انه تفاعل متسلسل يبدأ من القمة (الحكومات) ويصل الى القاعدة (العائلات وربات البيوت). وبرغم فظاعة ما شوهد في الفيلم المذكور، فانه ليس الاول ولن يكون الاخير. فمثلا ما تزال تمثل في الذاكرة قصة الطيار الكويتي سليمان العدساني الذي انتشرت قصته في بداية التسعينات، اي بعد ما سمي (حرب تحرير الكويت). فقد تعرض هذا الشخص لتعذيب وحشي على يدي أحد أفراد عائلة آل الصباح، جابر بن ناصر الصباح الذي كان عقيدا في جهاز الاستخبارات العسكرية الكويتية. والذي وضعه في بركة ماء ملأها بالبنزين وأشعل النار فيها، ولولا تدخل والده لفقد حياته. ونقل بعدها الى لندن للعلاج، حيث رفع قضية ضد معذبيه استمرت طويلا. سبب التعذيب ان جابر الصباح الذي هرب الى الامارات خلال الاجتياح، اتصل بالضابط المذكور الذي لم يهرب من بلده، وطلب منه الذهاب الى قصره وتدمير شريط فيديو كان يتضمن مشاهد غير أخلاقية له مع زوجته. وبعد انتهاء الاجتياح، اتضح ان الشريط قد انتشر في الكويت، فغضب جابر وحاول الانتقام من الطيار العدساني بتعذيبه بالحرق في حوض البنزين. لم يكن هناك شريط فيديو لذلك التعذيب ولكن آثار التعذيب كانت واضحة على جسده، وتم تصويرها.
هذه الاعمال، برغم فظاعتها، قد ترتكب في اي بلد، حتى الدول التي تحترم فيها حقوق الانسان بدرجة اكبر. فمثلا تتواصل في لندن محاكمة شابين بريطانيين قتلا شابين فرنسيين العام الماضي، بعد اقتحام شقتهما ومحاولتهما سرقة اموالهما باستعمال بطاقاتهما الالكترونية. الشابان المعتديان مارسا من التعذيب مع ضحيتيهما فوق ما يمكن تصوره. وتذكر لائحة الاتهام الموجهة ضدهما انهما أصابا ضحيتيهما بأكثر من 250 طعنة بالسكين. وقال احدهما ان احد الضحيتين (كان يرفض ان يموت) برغم الطعنات. وما اكثر القصص التي يمارس فيها الساديون أبشع الفظاعات بحق ضحاياهم. ولكن ثمة فرقا واضحا بين حالة يقدم فيها المعتدي للعدالة بما اقترفت يداه، وأخرى توفر فيها حماية كاملة لمرتكب الجريمة. فقد كان على حكومة الكويت احالة جابر الصباح الى القضاء قبل ان تنتقل القضية الى القضاء الدولي. وكان على دولة الامارات محاكمة المتهم خصوصا انها كانت على علم بما جرى قبل اربعة اعوام ولم تفعل شيئا. مع ذلك فقد اصدرت حكومة الامارات الشهر الماضي بيانا قالت فيه انها (تشجب بدون تحفظ الاعمال التي احتوى عليها الشريط). مشكلة دول مجلس التعاون ان التعذيب يمارس في اغلب دوله كاجراء روتيني بحق السجناء السياسيين، ولم يحدث قط ان تم توقيف مرتكبي جرائم التعذيب. والأشد إيلاما مثلا ان تسمح العائلة الحاكمة في البحرين مثلا، لعادل فليفل، المعذب المعروف الذي كان نائبا للضابط الاستعماري البريطاني، ايان هندرسون، بخوض (الانتخابات) العام المقبل لعضوية النصف المنتخب من مجلس الشورى. وهذا الشخص مطارد من ضحاياه بعدد من القضايا بتهمة التعذيب في بريطانيا. وكادت السلطات الاسترالية تعتقله عندما هرب اليها في 2001 بعد تورطه في قضايا خلافات مالية مع تجار آخرين. يومها وجه فليفل الى العائلة الحاكمة في البحرين تهديدا بتوريط عدد من رموزها معه في قضايا التعذيب فيما لو اعتقلته السلطات الاسترالية، وعندما طلب منع العودة الى البحرين وحل المشاكل المالية خارج القضاء، اشترط توفير حماية قانونية له، فأصدر الحاكم القانون 56 للعام 2002 الذي يوفر حماية قانونية لمرتكبي جرائم التعذيب.
الشريط الاماراتي الذي هربه الى الخارج بسام النابلسي، الشريك التجاري مع الشيخ سعيد آل نهيان، بعد ان اختلف معه، وصل الى البيت الابيض، وأعطى القضية بعدا أوسع. فعلى طاولة الرئيس اوباما اتفاقية بين الولايات المتحدة الامريكية ودولة الامارات العربية قيمتها بضعة مليارات الدولارات لبناء مشروع نووي للامارات. هذه الاتفاقية أقرها الرئيس السابق، جورج بوش، في 15 كانون الثاني (يناير) الماضي، قبل اسبوع من مغادرته البيت الابيض، وتنتظر توقيع الرئيس اوباما. جاء الشريط ليجمد الصفقة في الوقت الحاضر تحت اصرار السلطات المختصة بحقوق الانسان. وقد وصف السيد ماكجوفرن، نائب رئيس لجنة حقوق الانسان التابعة للكونغرس، الشريط بعد ان اطلع عليه بانه (من ابشع ما رأيت طوال حياتي). وبعث رسالة الى هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، عبر فيها عن (الغضب والرعب والتقزز) ازاء الشريط ومطالبا بوقف كافة المبيعات او نقل التكنولوجيا لدولة الامارات ومن بينها التكنولوجيا النووية. وقال انه سوف ينظم جلسة تحقيق في الكونغرس حول القضية. واعتبر القضية معيارا لمدى التزام الرئيس اوباما بقيم حقوق الانسان.
وكما تمت الاشارة سابقا، فالامارات ليست معروفة بممارسة التعذيب على نطاق واسع كالبحرين والسعودية، ولا تواجه تحديات سياسية داخلية واضحة، ولكن تصرفات الافراد، خصوصا اذا كانوا من الطبقة الحاكمة في اي من الدول الاتحادية، تنعكس على الدولة وسمعتها وعلاقاتها. والأمل ان تتحول القضية الاخيرة الى حركة رسمية وشعبية ليس في الامارات فحسب، بل في دول مجلس التعاون الخليجي كافة، لتعديل المسار السياسي بشكل يمنع تكرر مثل هذه الاعمال المنكرة، ليس في الظاهر فحسب، بل داخل السجون ايضا. ومع عولمة قضايا حقوق الانسان والقضاء المرتبط بها، خصوصا محكمة الجنايات الدولية، اصبح أمرا ممكنا قيام بعض المعارضات الخليجية بتقديم شكاوى موثقة ضد المسؤولين عن التعذيب، ولتجنبب المنطقة شرور التدخلات الخارجية، مطلوب من حكامها استيعاب حقائق التغير في المحيط العالمي الذي يفرض نفسه بقوة على سياسات الدول ليس على صعيد الخارج بل مع شعوبها ايضا. مطلوب من هذه الدول، خصوصا البحرين والسعودية، عدم الاكتفاء بتجريم ممارسة التعذيب، بل اقناع العالم بجديتها في ذلك بمقاضاة من يمارسه وانزال العقوبة به، قبل ان تمتد يد العدالة الدولية القوية اليه. وما لم يحدث ذلك، فلن تكون هذه الانظمة بمنأى عن التدخلات الخارجية، تحت غطاء ترويج الديمقراطية وحماية حقوق الانسان.

79

__DEFINE_LIKE_SHARE__

المواضيع المتشابهه
الموضوع	كاتب الموضوع	المنتدى	مشاركات	آخر مشاركة
شاهدوا الشريط المرعب والمؤثر والذي عنوانه هذا مارايت	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	07-17-2010 06:40 PM
{ لكل ما حصل في كأس مجلس التعاون .. كلنا اخوان .. ~	ઇ النورس ઇ	شعر و خواطر	8	06-27-2010 09:38 PM
البحرين تلجأ إلى مجلس التعاون الخليجي مع تصاعد التوترات مع قطر	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	05-24-2010 12:40 PM
مشروع استثمار للمواطنين ودول مجلس التعاون	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	02-19-2010 02:50 PM
معاني وأسماء دول مجلس التعاون الخليجي	كويتي	التراث والحضارة	29	02-20-2009 05:59 PM