يُطلّ بوجهه أوّلاً فجرَ الرّابع عشر من فبراير. كان يُريدُ أن يزرع ثورة الغضب ويرويها بنفسه قبل أن تتقاذفها الشّكوكُ والتّساؤلات. من جانبٍ ما، يمثّل هذا اليوم واحداً من الأحلام الكبيرة للرّجل الذي اشتغلَ مطوّلاً على ثقافة التأصيل (الدّيني) والممانعة (السّياسيّة).
خرجَ عبدُ الوهاب - في يوم الثّورة - باحثاً عن مشروع الحرّية لشعبه. لم يكن ينتظره في بيته، أو على طاولة حوارٍ مكذوب. لم يكن من القاعدين الذين يترقّبون نزول الأقدار. الأهم، أن صاحب "التّنظيرات" الحاسمة، لم يكتفِ بإطلاق الكلام المنمّق، وإذاعة التّحليلات. كانت سيرته الفكريّة تبدأ بإقامة الفكرة أمام الجمهور، ودعوتهم لمناقشتها، والمطالبة بالدّليل عليها. ليس ثمّة قداسة للأفكار، ويبقى الاحترام والتقدير لأصحابها. جلبَ ذلك الإزعاج إلى الشّخصيّة الأكثر إثارة في الوسط الحركي البحريني، لكنه أصرّ على أسلوبه ومنهجه في القوْل وفي الفعل، ولم يكن اختياره "المثير" للاعتكاف السّياسي - بعضاً من الزّمن - إلاّ محطّة لإتمام الحجّة، واسترجاع القوّة "الجسديّة" التي هدّها المرضُ المفاجئ.
لم يغب عبد الوهاب عن المشهد. أسهم في الكتابة الدّينيّة، وشجّع على ممارسة التّأصيل، ورأى في النّقد والتّدافع الفكري بوّابةَ النّجاح. على هذا النّحو كان دوره في الحراكات المطلبيّة منذ ريعان الشّباب، وصولاً إلى الانتفاضة التّسعينيّة التي أظهرته رمزاً عنيداً، وعصيّاً على الانكسار والتلوّن.
سيحمّله البعضُ "جريرة" الميثاق، ولكنه سيُقدِّم توضيحاته المتكرّرة التي لم تخلُ من نقدٍ مضاد. سرعان ما يعود عبد الوهاب إلى قيادة الحراك السّياسي المعارض مع "حركة حق"، التي قدِّم لها جهداً ذهنيّاً مضنياً، من غير أن ينخرط حزبيّاً في صفوفها، ليظهر لاحقاً في واجهةٍ سياسيّة جديدة اسمها "تيار الوفاء الإسلامي".
وضع عبد الوهاب أمامه كلّ النتائج الشّخصيّة، بما فيها الموت شهيداً. علّم مستمعيه أنّ هذه النتيجة ينبغي أن تكون حلماً وأمنية للمطالبين بالحقوق، وليس احتمالاً سلبيّاً يفرض إعادة الحساب. اختبر الجلاّدون في سجون النّظام هذه الصّلابة، فأصابتهم الرّجفةُ والخيبة. يقتنعُ عبد الوهاب أنّ بقاءه في السّجن، مدى الحياة، لن يُرغمه على تغيير خياراته التي يؤمن بها، فضلاً عن يقينه بأنّ احتجازه – معيّة الرّموز وقادة الثّورة – سُيمثّل دوماً الوقود الذي لا ينفد للثّورة الأكبر في تاريخ البحرين.
__DEFINE_LIKE_SHARE__
09-30-2012, 04:30 PM
العرض العادي
المواضيع المتشابهه 
